متابعات

تفاقمت أزمة الجفاف في جنوب العراق، مع اختفاء مجاري الأنهار وتراجع الإطلاقات المائية من دول المنبع، ما أدى إلى جفاف مساحات واسعة من أهوار ميسان وذي قار، ونزوح عشرات العائلات التي تعتمد على تربية الجاموس وصيد الأسماك.

تنتظر مناطق الأهوار موسم الأمطار على أمل عودة الحياة إلى أنهارها التي جفّت، بعدما عجزت عن الصمود أمام شح المياه وانعدام الإطلاقات المائية. ويُعد نهر «أم الطوس» في منطقة «أبو خصاف» أحد أبرز الأنهار التي تضررت بشدة، إذ لم يعد قادراً على تزويد القرى المجاورة بمياه الشرب أو الزراعة.

يقول كاظم كريم حسن، من سكان القرية، إن جفاف النهر أجبر العديد من الأهالي على النزوح، بعدما فقدوا مصادر عيشهم من تربية الجاموس وصيد الأسماك. وأضاف أن السكان يقطعون مسافات طويلة للوصول إلى مشروع الكحلاء لجلب المياه الصالحة للشرب والاستحمام.

الناشط البيئي أحمد صالح نعمة وصف الوضع قائلاً إن «دبيب الموت دبّ في نهر أم الطوس منذ أشهر، فلا تصل إليه قطرة ماء، وتوقفت محطات الضخ عن العمل، ما حرم هور الحويزة من الإمدادات المائية».

ويحمل ناشطون ومسؤولون محليون الجهات الرسمية المعنية بملف المياه مسؤولية تدهور الأوضاع، نتيجة ما وصفوه بقرارات غير مدروسة.

رئيس مؤسسة «جلجاموس» للآثار والأهوار أبو الحسن علي المسافري أوضح أن نهر أم الطوس أحد المصادر الأساسية لتغذية هور الحويزة، ويستمد مياهه من ناظم الكحلاء مروراً بناحية بني هاشم، لكنه يعاني من شح شديد، وما تبقى منه مجرد مياه آسنة غير صالحة للاستخدام.

وأشار المسافري إلى أن مربي الجاموس يعانون من صعوبة تأمين المياه، بسبب استنزافها من قبل أصحاب بحيرات الأسماك العملاقة، الذين يتجاوزون على مجرى النهر. وأضاف أن الأهوار الوسطى وهور الحمار الغربي ومناطق أخرى في ذي قار تواجه الظروف نفسها، حيث تعتمد مجتمعاتها على الثروة الحيوانية وصيد الأسماك وجمع القصب والحشائش.

وأكد أن سوء إدارة ملف المياه تسبب في نزوح واسع وجفاف الأهوار، لافتاً إلى أن الإطلاقات الحالية قليلة ومتقطعة وغير كافية لإعادة الحياة إليها. وبيّن أن أزمة الجفاف تفاقمت منذ عام 2021 مع جفاف هور «أبو زرك» في ناحية الإصلاح، وأن زراعة الشلب عام 2023 بكميات تجاوزت 350 ألف دونم أدت إلى استنزاف الموارد المائية وزادت الأزمة حدة.

وأوضح أن غياب الخطط والمعالجات الحقيقية جعل الأزمة أكثر تعقيداً، مؤكداً أن «الحل الوحيد يتمثل في اعتماد حصص مائية ثابتة ومنتظمة لإعادة غمر الأهوار».

وكانت وزارة الموارد المائية قد عزت أسباب الجفاف إلى قلة الإطلاقات المائية من دول المنبع، مشيرة إلى أن نحو 90% من مصادر المياه في العراق تأتي من الجانب التركي.

وخلال مباحثات عقدت في حزيران الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إطلاق 420 متراً مكعباً في الثانية من المياه إلى العراق، إلا أن ناشطين يرون أن هذه الكميات لم تصل فعلياً إلى المحافظات الجنوبية.

وأوضح المسافري أن غياب اتفاقية مائية ملزمة بين العراق وتركيا يجعل أنقرة تستأثر بالمياه، مضيفاً أن المحادثات بين الجانبين تنتهي عادة إلى تفاهمات غير ملزمة، بينما تفتقر بغداد إلى أدوات ضغط سياسية وتجارية للحصول على حصتها المائية الكافية.

ويؤكد مختصون أن نحو 90% من مساحة الأهوار في محافظتي ميسان وذي قار قد جفّت بالكامل، في ما يعد أسوأ كارثة بيئية في تاريخ المنطقة، إذ أدى الجفاف إلى انهيار مشاريع التنمية وتوقف الحياة في القرى المحيطة.

ويبقى ملف المياه من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة العراقية، حيث لم تؤدِ الإجراءات المتخذة حتى الآن إلى إنهاء الأزمة أو حماية ما تبقى من أهوار الجنوب التي كانت يوماً رمزاً للهوية البيئية والثقافية للعراق